الناقل الوطني: الكلفة المتوقعة للمياه. نشر في صحيفة الغد يوم 23 شباط 2025 في مشروع الناقل الوطني لتحلية ونقل مياه البحر الأحمر بكمية 300 ...
الناقل الوطني: الكلفة المتوقعة للمياه.
نشر في صحيفة الغد يوم 23 شباط
2025
في مشروع الناقل الوطني لتحلية ونقل مياه البحر الأحمر بكمية 300 مليون متر
مكعب سنويا وقعت الحكومة "عقدا مبدايا" في 12 كانون الثاني 2025 مع
تحالف المستثمرين بقيادة شركتي ميريديام وسويز ويجري العمل حاليًا على استكمال الاتفاق
على 15 ملحقًا خلال 60 يومًا، وتتضمن تعديلات فنية ومالية لضمان جاهزية التنفيذ.
وبحسب تصريحات لمدير وحدة إدارة مشروع الناقل الوطني بوزارة المياه والري، السيد صدام
خليفات لقناة المملكة فان الكلفة المتوقعة للمشروع تقدر بـ4 مليارات دينار ، وحتى
تاريخه، جرى تأمين 816 مليون دولار كمساهمة وزارة المياه والري. ويشمل
التمويل منحًا من الولايات المتحدة (300 مليون دولار)، وقرضًا من مؤسسة التمويل
الأميركية (DFC) بقيمة مليار دولار، إضافة إلى منح من الاتحاد الأوروبي،
ألمانيا، وهولندا، وإيطاليا، وفرنسا.
وبحسب تصريحات رسمية حكومية فان تحديد سعر المتر المكعب من المياه ما يزال قيد
الدراسة، إذ يعتمد على متغيرات تشمل كلفة التشغيل والصيانة، والبنية التحتية، ومن
المتوقع أن تحدد مرحلة الغلق المالي التكلفة النهائية للمشروع، مع استمرار
المفاوضات لتأمين مزيد من المنح لتخفيف الأعباء المالية.
أحاول في هذا المقال تقدير كلفة متر المياه المكعب في الناقل الوطني. نستطيع مثلا توقع الكلفة عبر حساب كلفة التمويل بهذه الفرضيات: من الأربعة مليارات دينار لنفترض مليار كامل منح ومساعدات. ويتبقى ثلاثة مليارات دينار اردني منها مليار دينار تمويل من الحكومة طبعا ستاتي من ديون جديدة على الحكومة و مليارين دينار من المطور نفترض نصفهم ديون ونصفهم راس مال.
كلفة الدين الحكومي الأردني تعادل سعر الفائدة على السندات الحكومية الدولارية وهي حاليا حوالي 7% سنويا. ولنفرض نفس النسبة للمستثمر: 7% على مليار من الديون ونفترض نسبة عائد على راس مال المستثمر 15% وهو مليار دينار. وعليه سيكون المعدل المرجح لكلفة التمويل WACC حوالي 11%. أي ان المستثمر سيطلب ايرادا صافيا بعد كل الكلف التشغيلية بالحد الأدنى 220 مليون دينار ليكون المشروع مجديا له. يضاف اليه 70 مليون سنويا كلفة الدين الحكومية على المليار من الحكومة وعليه تكون الكلفة 290 مليون دينار سنويا بدون حساب الكلف التشغيلية السنوية. أي 96 قرشا لكل متر مكعب قبل الكلف التشغيلية من طاقة ورواتب وغيرها.
ممكن كذلك المقارنة مع خط الديسي: هذا الخط اللذي ينقل 100 مليون متر مكعب سنويا من حوض الديسي وبدون محطة تحلية كان قد كلف حوالي 800 مليون دينار لانشائه أي ان الكلفة الراسمالية لقدرة الخط هي 8 دينار لكل متر مكعب سعة. وتدفع الحكومة للمشغل حوالي 90 قرشا لكل متر مكعب من المياه عبر خط الديسي.
في الناقل الوطني تتوقع الحكومة كلفة اجمالية 4 مليارات دينار لتحلية ونقل 300 مليون متر مكعب سنويا. أي ان الكلفة الراسمالية حوالي 13 دينار لكل متر مكعب سعة. ولان المشروع فيه نظام تحلية المياه فان الكلفة التشغيلية ستكون اعلى من كلف الديسي بسبب الحاجة لطاقة اكبر.
بالمقارنة مع الديسي فان الكلفة الراس مالية لكل متر مكعب من السعة السنوية اعلى بحوالي 60% وعليه لربما تكون كلفة المتر المكعب من الناقل الوطني اعلى من الديسي بهذه النسبة بحيث تكون كلفة المتر المكعب بين 140 الى 150 قرشا لكل متر مكعب شاملا كل الكلف التسغيلية. أي اكثر من 400 مليون دينار سنويا.
يذكر ان المشروع لم يتقدم له الا ائتلاف شركات واحد بينما عزفت شركات عديدة عن التقدم له بسبب الشرط الحكومي ان يكون مشروع التحلية وخط النقل مشروعا واحدا متكاملا. فيما ردت بعض الشركات المهتمة بان الأفضل ان يتم على مشروعين منفصلين: مشروع التحلية ليستقطب الشركات ذات الخبرة العالية بمشاريع التحلية ومشروع النقل للشركات ذات الخبرة العالية بمشاريع نقل المياه بدون اجبار الشركات على التقدم لمشاريع لا خبرة كبيرة لهم فيها.
من المهم للغاية ان تعلم الحكومة كلفة مياه الناقل الوطني وان تفصح عنها قبل التوقيع النهائي للمشروع ليتم مناقشته وطنيا. ولاننا لا زلنا "على البر" ادعو الى التدبر والتفكير مليا بهذه النقاط التالية:
- ضمان المنافسة مهم لتقليل الكلفة. ووجود متقدم واحد فقط للمشروع وعدم تقديم باقي الشركات المدعوة لعروض يدعو الى إعادة هيكلة العطاء بحيث يتقدم له اكثر من شركة لضمان القيمة والسعر الأمثل. وربما هنا يجب فصل المشروع الى مشروعين: تحلية ونقل لضمان تقدم العديد من الشركات لهما. وكذلك لا ضير من بحث ان يكون مشروع النقل بالذات مشروع حكومي لا مشروع BOT بحيث يكون ملكا للحكومة منذ البداية وهذا سيوفر بعضا من الكلفة. فهو عمليا محطات ضح ومواسير ولا يوجد به تقنيات تحتاج خبرات عالية مثل محطات التحلية.
- فاقد المياه في الأردن يبلغ النصف تماما. وعلى فرض ان الحكومة استطاعت ان تخفف فاقد المياه الى 25% مع بدء ضخ مياه مشروع الناقل الوطني هذا يعني ان المشروع سينتج 300 مليون متر مكعب سنويا بكلفة تقارب 400 مليون دينار سنويا ثم لن يتم فوترة الا حوالي 225 مليون متر مكعب سنويا بسبب الفاقد. ولهذا سيصير لزاما على الحكومة تسعير متر المياه من الناقل الوطني بأكثر من 170 قرش لكل متر مكعب. او تسعيره بمعدل ما يدفعه الأردنيون حاليا للمياه (70 قرش للمتر) مما يعني تحصيل 160 مليون دينار ثمنا للمياه وزيادة ديون سلطة المياه 140 مليون دينار سنويا.
- من منظور النمو والتحفيز الاقتصادي فان مشروعا كبيرا كالناقل الوطني سيحفز النمو الاقنصادي اثناء فترة البناء كونه سيخلق فرص عمل ويشغل العديد من شركات المقاولات ويزيد الطلب على المواد الانشائية. لكن بعد تشغيله فان الكلفة العالية للمياه ستكون مثبطة للنمو كونها ستزيد من كلفة فاتورة المياه على الأردنيين وبالتالي تقلل من صرفهم في نواح أخرى من الاقتصاد بالإضافة الى زيادة الديون الحكومية لدعم كلفة المياه ان ارادت الحكومة عدم تسعير المياه بالكلفة الحقيقية.
الكلفة على أربعة مليارات من الدنانير عالية جدا. وسياتي من يقول ما البديل؟ وردي دوما هو التفكير خارج صندوق هيكل الاقتصاد السياسي الأردني اللذي يفضل الهروب الى الامام ويتفادى الحلول الجذرية والتي تشمل عددا من الإجراءات المتزامنة منها على سبيل المثال لا الحصر:
- النظر لواقع القطاع الزراعي والتوقف عن دعم التصدير للزراعات المروية التي لا يوجد فيها أي قيمة اقتصادية مضافة بل على العكس تؤثر سلبا على نمو الاقتصاد الأردني. ووقف الحوافز والحمايات التي تشجع على استخدام مياه الري في غير الزراعات الأساسية للامن الغذائي الأردني.
- الضرب بيد من حديد على كل سرقات المياه من الخطوط الرئيسية وتنسيق كشفها عبر جهد امني ممنهج حيث تشكل السرقات 70% من الفاقد. ونذكر هنا ان تقارير شركة مياهنا الرسمية تقول ان مياه الشرب المسروقة في محافظات عمان والزرقاء والبلقاء ومادبا لوحدها تصل الى 100 مليون متر مكعب سنويا. أي ان ما يسرق في أربعة محافظات هو بمقدار طاقة خط الديسي كاملا!
- بلدنا بلد ماطر وتقع معظم مساكنه في مناطق الهطول المطري. وبلدياتنا لا تفعل شيئا في موضوع الحصاد المطري وتكتفي بالتنبيه على وضع مزاريب مياه المطر لتصرف في الشارع بدلا من مخالفة ربطها على المجاري. لذلك فان تمويل مبادرات وطنية لتحويل مزاريب المطر الى تنكات تجميع مياه للمطر تستخدم أولا بأول للشطف وغسيل السيارات وتنظيف المراحيض ستجعل من كل المدن الأردنية خزانات هائلة لمياه المطر. ففي أي موسم مطري في عمان او اربد مثلا ينزل على كل 100 منر مربع من الاسطح ما معدله 40 متر مكعب من المياه. يمكن حصاد جزء كبير منها بكل سهولة وبكلفة لا تتعدى كلفة تحويل مزراب المطر الى تنكات بلاستيكية حول البناية او في مواقف التسوية بحيث تخف فيضانات الشوارع وفيضانات أنظمة الصرف الصحي وتزيد الرقعة الخضراء وبدون صرف طاقة كبيرة للتحلية والضخ. تقديرا فان منازل الأردن قد تحصد اكثر من 50 مليون متر مكعب سنويا من مياه المطر بدون أي كلف تشغيلية سنوية.
ليست هناك تعليقات