تصدير المياه الشحيحة من الأردن: التغيير المطلوب للسياسة الزراعية الاردنية نشر في الغد يوم 3 نيسان 2025 سد الكرامة في غور الاردن سيظهر ال...
تصدير المياه الشحيحة من الأردن: التغيير المطلوب للسياسة الزراعية الاردنية
نشر في الغد يوم 3 نيسان 2025
سيظهر التحليل التالي ان لا جدوى اقتصادية من تصدير محصول البندورة المروية على مستوى الاقتصاد الوطني. لكن في محصول مثل التمر هناك قيمة مضافة عالية تسمح بانتهاج سياسة استرداد كلفة مياه الري الحقيقية لتحفيز هذه الزراعات الى ترشيد استهلاك المياه بالحد الأقصى وأيضا التحول لاستخدام موارد أخرى مثل تحلية مياه سد الكرامة بدلا من الاعتماد على ابار المياه: حيث يتسبب الضخ الجائر في زيادة الملوحة واستنزاف مخزون المياه الجوفية.
بحسب التقرير الاحصائي السنوي لوزارة الزراعة لسنة 2023 فقد بلغت صادرات محصول البندورة 198 الف طن ( 198783 ) طنا مشكلة المحصول الأكبر تصديرا من ناحية الوزن فيما صدر الأردن 11576 طنا من التمور في ذات العام.
وبحسب تقرير لمبادرة فورسايت فور فوود عن الأردن فان كل كغم من محصول البندورة يحتاج الى 158 لترا من مياه الري بينما يحتاج كل كغم من التمر الى 967 لترا. وعليه فان صادرات الأردن من البندورة لسنة 2023 استهلكت اكثر من 31 مليون متر مكعب من المياه بالحد الأدنى على فرض ان كل حبة بندورة انتجت ذهبت الى الاستهلاك المحلي او التصدير بدون خسارة أي فاقد من المحصول. فيما استهلكت صادرات التمر من الأردن اكثر من 11 مليون متر مكعب من المياه.
هذه ارقام محافظة برايي لكني ارتايت ان استعملها بدلا من ارقام أخرى متداولة: بين يدي دراسة بحثية قام بها باحثون في الجامعة الأردنية في تشرين الأول 2024. في الدراسة وهي بعنوان "تحسين إدارة المياه في الأردن: تحليل للبصمة المائية لمحصول البندورة" تحليل علمي واف للبصمة المائية لمحصول البندورة بين 1994 و 2023 في الأردن الحبيب. وبينت الدارسة انه في العام 2023 احتاج كل طن من البندورة الى 3092 متر مكعب من مياه الري العذبة في الباقورة. ولان الرقم صادم ارتايت ان لا استعمله في هذا التحليل واستعمل الأرقام الأخرى وارسلت للجامعة الأردنية استفسارا عن هذه الدراسة الحديثة لربما يكون هناك خطأ ما فيها.
بتقدير محافظ فان صادرات التمر والبندورة فقط استهلكت 42 مليون متر مكعب من المياه سنة 2023. وشكل هذان المحصولان اقل من 40% من كل صادرات الأردن الزارعية من حيث الوزن. وبالتالي من الأهمية بمكان حساب كميات المياه التي تستهلكها باقي المحاصيل المصدرة بأسلوب علمي شفاف.
بخصوص العمالة في القطاع الزراعي فان ارقام دائرة الإحصاءات العامة لسنة 2023 تبين وجود 25 الف عامل دائم 70% منهم عمال وافدون في قطاع الإنتاج الززراعي النباتي في الأردن. فيما يعمل في القطاع ستة الاف عامل موسمي 73% منهم عمالة وافدة ويعمل كذلك 53 الف "عامل عرضي" في القطاع 53% منهم عمالة وافدة. مما يعني ان هناك 50 الف عامل وافد يعملون في الزراعة مشكلين حوالي 60% من محمل العاملين في القطاع. ولان 70% من العاملين الدائمين في الزراعة عمال وافدون فانه في كثير من الأحيان يكون دور صاحب الأرض الأردني فقط تضمين ارضه للزراعة مقابل اجر سنوي. واكاد اجزم ان نسبة العمالة الوافدة في الزراعات المروية اعلى بكثير من النسبة العامة بينما يتركز العمال الاردنييون في الزراعات البعلية الاصيلة في الأردن مثل الزيتون والتين والعنب والحبوب والمقاثي باشكالها.
بعد سؤال بعض المطلعين بينوا ان معدل سعر بيع التمر المصدر من الأردن حوالي أربعة دنانير لكل كغم فيما يمكن تقدير سعر تصدير البندورة بحسب بيانات السوق المركزي للخضار والفواكه. وعليه تكون قيمة صادرات التمور حوالي 46 مليون دينار بينما بلغت قيمة صادرات البندورة حوالي 60 مليون دينار تقديرا.
ولان الكلفة الحقيقية للمياه في الأردن اكثر من دينارين بحسب التصاريح الحكومية فان الكلفة الحقيقية للمياه التي استخدمت لري المحصولين بلغت حوالي 63 مليون دينار لمحصول البندورة و 22 مليون دينار لمحصول التمر فيما دفعت الشركات التي زرعت المحصولين _باقصى تقدير_ ثمانية ملايين دينار لمياه محصول البندورة وثلاثة ملايين دينار لمحصول التمر. أي ان مياه محصول البندورة المصدرة مدعومة فعليا بحوالي 55 مليون دينار اردني ومياه محصول التمر المصدر مدعومة بحوالي 20 مليون دينار اردني. وهذا بدون حساب دعم الكهرباء.
بعد حساب التكلفة الحقيقية للمياه _وبدون حساب دعم الكهرباء وكلف التلوث_ تكون لصادرات التمر قيمة مضافة تقديرا بحوالي 26 مليون دينار توزعت بين أجور عاملين _معظمهم غير أردنيين_ ونقل وتكاليف أخرى وربح للمصدرين. فيما يتبقى من حاصل مبيعات البندورة بعد حساب كلفة المياه الحقيقية خمسة ملايين دينار مؤكد أنها اقل من أجور العاملين _وايضا معظمهم غير أردنيين_ والنقل واي هامش ربح. أي ان تصدير البندورة لا قيمة مضافة فيه للاقتصاد بل عبء صاف على الاقتصاد. طبعا لا ننسى ان كثيرا من أجور العاملين الوافدين تذهب كتحويلات الى خارج الأردن وتخرج من الدورة الاقتصادية.
ما السياسة المطلوبة؟
لأننا نعاني من شح شديد في المياه يدفعنا الى المضي قدما بمشروع تحلية مياه البحر سيكلفنا نصف مليار دينار سنويا فانه من المنطقي والاساسي والواجب ان نخفف من حوافز تبذير المياه عبر صادرات خضروات وفواكة لا تضيف قيم اقتصادية تذكر للاقتصاد الوطني. وعليه اقترح التالي:
- عكس الواقع الحالي اللذي يدفع فيه الإنتاج الزراعي المستهلك محليا رسوما وعمولات كبيرة نسبيا فيما تعفى الصادرات من كل الرسوم والضرايب. والبديل يكون باعفاء الإنتاج المحلي اللذي يذهب لموائد الأردنيين من كل الرسوم والعمولات وفرض بدل فرق دعم مياه على أي محصول زراعي مروي ذاهب للتصدير. بحيث يتم استيفاء رسوم فرق كلفة مياه بحسب كل محصول وبصمته المائية عند تصديره. وعندها يقرر كل مزارع كبير ان كان من المناسب له ان يستمر في التصدير ضمن هذه الكلف العادلة الجديدة. وقد كنت كتبت عن هذا في شهر 11 2018 في جريدة الغد بمقال عنوانه " اعفاء القطاع الزراعي من ضريبة الدخل: الوهم الوطني المستمر." وادعو له منذ ذلك الوقت. واقتبس مرة أخرى من ذلك المقال: " حاليا كل انتاج زراعي للسوق المحلي يجب ان يباع عبر أسواق الخضار والفواكه المركزية. حيث يدفع المزارعون رسوما على منتجهم عند دخوله السوق ويدفعون حوالي 6% عمولات عند بيعه في الاسواق المركزية بغض النظر عن تحقيق ربح او خسارة. ولا شك ان هذه الرسوم هي اسوا من ضريبة الدخل حيث تدفع سواء ربحوا او خسروا. تقديرا تصل الرسوم والعمولات الى 10% من سعر البيع سواء حقق المزارع ربحا او خسارة. وهي في المعدل ثلث الربح في افضل الأحوال وزيادة كبيرة في الخسارة في اسواها."
- المضي قدما بالتوجه الحكومي الجديد الوارد في نظام أسواق الجملة للمنتجات البستانية لأمانة عمان لسنة 2025 واللذي سينشئ منصة إلكترونية رئيسة لدى أمانة عمان لبيع المنتجات الزراعية بما يضمن سعرا عادلا للمزارع وللمستهلك.
- الغاء اية حماية جمركية او اغلاقية لاي محصول زراعي في الأردن ليس من ضمن الامن الغذائي الأردني. فزراعة البندورة والبطاطا والبصل من الامن الغذائي الأردني لكن محاصيل مثل الافوكادو والكاكا والموز مثلا ليسوا من اساسيات السلة الغذائة الأردنية خصوصا واننا ممكن ان نستوردهم بكلف اقل من زراعتهم محليا وبدون استنزاف مياه عذبة كبيرة.
- استخدام جزء من رسوم فرق دعم المياه لمساعدة المزارعين الأردنيين اللذين كانوا يعتمدوا على التصدير للتحول لمنتجات ذاب قيمة مضافة اكبر ولاستخدام ارشد للمياه او حتى تعويضهم جزئيا عن التخلي عن الزراعة التصديرية غير المجدية.
النتيجة المرجوة من هكذا سياسة ان تقل بعض الزراعات المروية في الأردن بحيث تقتصر على ما يحتاجه السوق المحلي بحيث نوفر عشرات ملايين الأمتار من المياه العذبة ونخفف الضغط على مواردنا المائية وبتاثير إيجابي على الاقتصاد الوطني. وربما أيضا ستزيد نسبة العمال الأردنيين في الزراعة اذا غادر القطاع بعض من العمالة الوافدة التي تعمل عند أصحاب المزارع الكبيرة بعد ان نوقف الدعم اللامنطفي لتصدير المياه الشحيحة تحت مسمى خضار وفواكه!
ليست هناك تعليقات